محمد فكراوي: رغم الجهود المستمرة التي تبذلها المصالح المختصة، لا يزال تداول النقود الورقية يشكل ظاهرة مترسخة في الحياة الاقتصادية اليومية للمغاربة، حيث تشير البيانات إلى أن ما يقارب ثلث الناتج المحلي ( حوالي 437 مليار درهم) يتم تداوله نقدا مع نهاية مارس الماضي، مما يكشف عن تزايد مطرد في الاعتماد على “الكاش” الذي بلغ نحو 65% خلال خمس سنوات فقط، حسب إحصاءات بنك المغرب.
وعلى الرغم من المبادرات التي قامت بها الحكومة، من قبيل الدفع عبر الهاتف المحمول، وحملات التحسيس بمخاطر الاعتماد المفرط على السيولة الورقية، إلا أن الواقع يظهر أن علاقة المغاربة بالنقد لا تزال قوية، كما يظهر أن هناك مقاومة ثقافية واجتماعية، بل وحتى اقتصادية، لأي محاولة لإزاحة “الكاش” من موقعه المحوري.
وكان بنك المغرب قد أطلق، ومنذ سنة 2018، سلسلة من الإجراءات لتحفيز الانتقال إلى الوسائل الرقمية، لكنه ما زال يصطدم بعوائق شتى، أبرزها محدودية الإقبال الشعبي، خصوصا في الأوساط التي يغلب عليها الطابع غير الرسمي، كأصحاب محال البقالة، وهو ما اعتبره والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، مصدر قلق اقتصادي يتطلب معالجته بمقاربة متعددة الفاعلين.
ويعزى التشبث بالتعامل النقدي إلى طبيعته “المرنة” التي تتيح تفادي التتبع، بخلاف الوسائل الرقمية التي تترك أثرا محاسباتيا لا يناسب جميع الفاعلين، خاصة في القطاع غير المهيكل الذي تغلب عليه تركيبة اجتماعية واقتصادية يصعب تغييرها بقرارات فوقية.
ورغم أن فرض ضرائب على النقد أو تغيير العملات، كما فعلت دول أخرى، يظل أمرا غير مطروح حاليا في المغرب، إلا أن الحلول التي تناقشها السلطات تتجه نحو تبسيط الولوج للخدمات البنكية، وتشجيع الشركات المتوسطة والصغيرة على التحول الرقمي، وتقديم حوافز ضريبية لمن يعتمدون وسائل الدفع الحديثة.
تزامنا مع ذلك، يتأهب المغرب لدخول عصر العملات الرقمية، حيث يشتغل على تقنين استعمال العملات المشفرة، بالتوازي مع بلورة مشروع لإطلاق “درهم رقمي”، مستفيدا من دعم مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي، في خطوة تمثل رهانا مستقبليا على تجاوز “الاقتصاد النقدي” نحو منظومة رقمية أكثر شفافية وفعالية.
لكن، حتى يتحقق هذا التحول، يبقى المطلوب هو بناء ثقة المواطن في النظام المالي، وتقديم حلول بسيطة وآمنة، مع إشراك القطاع الخاص بكثافة، وضمان أن تكون الخيارات الرقمية أقل تكلفة وأكثر إغراء من “الكاش”، الذي لا يزال لصيق بجيوب المغاربة كأنه جزء من عاداتهم اليومية.